responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 323
اللَّه تَعَالَى عَلَى تِلْكَ النِّعْمَةِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الكافر يكون عند زوال تلك النعمة يؤوسا وَعِنْدَ حُصُولِهَا يَكُونُ كَفُورًا.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَنْتَقِلَ الْإِنْسَانُ مِنَ الْمَكْرُوهِ إِلَى الْمَحْبُوبِ، وَمِنَ الْمِحْنَةِ إِلَى النِّعْمَةِ، فَهَهُنَا الْكَافِرُ يَكُونُ فَرِحًا فَخُورًا. أَمَّا قُوَّةُ الْفَرَحِ فَلِأَنَّ مُنْتَهَى طَمَعِ الْكَافِرِ هُوَ الْفَوْزُ بِهَذِهِ السَّعَادَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلسَّعَادَاتِ الْأُخْرَوِيَّةِ الرُّوحَانِيَّةِ، فَإِذَا وَجَدَ الدُّنْيَا فَكَأَنَّهُ قَدْ فَازَ بِغَايَةِ السَّعَادَاتِ فَلَا جَرَمَ يَعْظُمُ فَرَحُهُ بِهَا، وَأَمَّا كَوْنُهُ فَخُورًا فَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْفَوْزُ بِسَائِرِ الْمَطْلُوبِ نِهَايَةَ السَّعَادَةِ لَا جَرَمَ يَفْتَخِرُ بِهِ، فَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ الْكَافِرَ عِنْدَ الْبَلَاءِ لَا يَكُونُ مِنَ الصَّابِرِينَ، وَعِنْدَ الْفَوْزِ بِالنَّعْمَاءِ لَا يَكُونُ مِنَ الشَّاكِرِينَ. ثُمَّ لَمَّا قَرَّرَ ذَلِكَ قَالَ:
إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ ضِدُّ مَا تَقَدَّمَ فَقَوْلُهُ: إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْبَلَاءِ مِنَ الصَّابِرِينَ، وَقَوْلُهُ: وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الرَّاحَةِ وَالْخَيْرِ مِنَ الشَّاكِرِينَ.
ثُمَّ بَيَّنَ حَالَهُمْ فَقَالَ: أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ فَجَمَعَ لَهُمْ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمَطْلُوبَيْنِ. أَحَدُهُمَا: زَوَالُ الْعِقَابِ وَالْخَلَاصُ مِنْهُ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَالثَّانِي: الْفَوْزُ بِالثَّوَابِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَأَجْرٌ كَبِيرٌ وَمَنْ وَقَفَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَلِمَ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ الْكَرِيمَ كَمَا أَنَّهُ مُعْجِزٌ بِحَسَبِ أَلْفَاظِهِ فَهُوَ أَيْضًا مُعْجِزٌ بحسب معانيه.

[سورة هود (11) : آية 12]
فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ كَلِمَاتِ الْكُفَّارِ، واللَّه تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ قَلْبَ الرَّسُولِ ضَاقَ بِسَبَبِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى قَوَّاهُ وَأَيَّدَهُ بِالْإِكْرَامِ وَالتَّأْيِيدِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ رُؤَسَاءَ مَكَّةَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ اجْعَلْ لَنَا جِبَالَ مَكَّةَ ذَهَبًا إِنْ كُنْتَ رَسُولًا، وَقَالَ آخَرُونَ: ائْتِنَا بِالْمَلَائِكَةِ يَشْهَدُونَ بِنُبُوَّتِكَ. فَقَالَ: لَا أَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: تارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحى إِلَيْكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ائْتِنَا بِكِتَابٍ لَيْسَ فِيهِ شَتْمُ آلِهَتِنَا حَتَّى نَتَّبِعَكَ وَنُؤْمِنَ بِكَ، وَقَالَ الْحَسَنُ اطْلُبُوا مِنْهُ لَا يَقُولُ: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ [طه: 15] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ نِسْبَتُهُمْ إِلَى الْجَهْلِ وَالتَّقْلِيدِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى الْبَاطِلِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يَخُونَ فِي الْوَحْيِ وَالتَّنْزِيلِ وَأَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْهِ، لِأَنَّ تَجْوِيزَهُ يُؤَدِّي إِلَى الشَّكِّ فِي كُلِّ الشَّرَائِعِ وَالتَّكَالِيفِ وَذَلِكَ يَقْدَحُ فِي النُّبُوَّةِ وَأَيْضًا فَالْمَقْصُودُ مِنَ الرِّسَالَةِ تَبْلِيغُ تَكَالِيفِ اللَّه تَعَالَى وَأَحْكَامِهِ فَإِذَا لَمْ تَحْصُلْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ فَقَدْ خَرَجَتِ الرِّسَالَةُ عَنْ أَنْ تُفِيدَ فَائِدَتَهَا الْمَطْلُوبَةَ مِنْهَا، وَإِذَا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من قَوْلِهِ: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحى إِلَيْكَ شَيْئًا آخَرَ سِوَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَعَلَ ذَلِكَ وَلِلنَّاسِ فِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْلُومِ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ إنما ترك التَّقْصِيرَ فِي أَدَاءِ الْوَحْيِ وَالتَّنْزِيلِ لِسَبَبٍ يَرِدُ عليه من اللَّه تعالى أمثال هذه التهديدات.
الْبَلِيغَةِ الثَّانِي: أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَعْتَقِدُونَ بِالْقُرْآنِ وَيَتَهَاوَنُونَ بِهِ، فَكَانَ يَضِيقُ صَدْرُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُلْقِيَ إِلَيْهِمْ مَا لَا يَقْبَلُونَهُ وَيَضْحَكُونَ مِنْهُ، فَهَيَّجَهُ اللَّه تَعَالَى لِأَدَاءِ الرِّسَالَةِ وَطَرْحِ الْمُبَالَاةِ بِكَلِمَاتِهِمُ الْفَاسِدَةِ وَتَرْكِ الِالْتِفَاتِ إِلَى اسْتِهْزَائِهِمْ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ أَدَّى ذَلِكَ الْوَحْيَ وَقَعَ فِي سُخْرِيَّتِهِمْ وَسَفَاهَتِهِمْ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 323
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست